قصة سلوى

ديسمبر 11, 2014

قصة سلوى

في 25حزيران 2014، في صباح يوم اربعاء في بنغازي شعر الليبيون بشعور أمل متجدد وهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الثانية في المرحلة الانتقالية المضطربة في ليبيا حيث أرسوا مبدأ الانتقال السلمى النقل السلمي للسلطة. وقد أثبتت هذه اللحظة أنها محورية في تاريخ ليبيا وألزمت محامية حقوق الإنسان سلوى بوقعيقيص بالعودة الى ليبيا لهذه المناسبة، على الرغم من التهديدات العديدة بالقتل التي تلقتها والبيئة ذات الفوضى المتزايدة والتي زادت من حدتها البنادق والقنابل والخلافات.

وبعد أن أدلت السيدة بوقعيقيص بصوتها وضعت صورة لها وهي في مركز الإقتراع على صفحتها على الفيسبوك. وتفوق إيمانها بليبيا وبمستقبلها على شعورها بالخوف، وشنت حملة يومية بلا انقطاع طوال اليوم، كما فعلت كل حياتها تقريبا، للدفاع عن الأمن والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولاحقا في ذلك اليوم، سمعت إطلاقا للنار من بيتها وكانت ترى إطلاق نار متقطع من نافذتها. وعلى الرغم من ذلك، استمرت في شعورها بالأمل، مشجعة أكبر عدد من الناس للخروج والتصويت. وكانت تكتب قائلة:” أرجو منكم أن تتحلوا بالصبر حتى الساعة الثامنة، لن يفوزوا علينا ولن يقوموا بإفشال العملية الإنتخابية لبنغازي… تحدثوا الى الناس… واتصلوا بأصدقائكم وأسرتكم…عليهم أن يحاربوا بسلام من خلال الإدلاء بأصواتهم… نحن مصممون أن نبني ليبيا التي كنا دائما نحلم بها”.

مع حلول المساء، تبين أن المخاطر التي تحملتها لدى عودتها الى بيتها هي حقيقة واقعة. فقد اجتاح بيتها مجموعة من خمسة رجال مقنعين ومسلحين وقاموا باغتيال سلوى بوحشية. وكان هدفهم: إسكات صوتها وقوة رسالتها، التي كانت قوية للغاية بحيث وصلت منذ فترة طويلة للرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء ليبيا، والمنطقة والعالم.

ومع انتشار الأخبار محليا ودوليا، تدفقت مشاعر الصدمة والغضب والإشمئزاز إزاء هذا العمل الجبان والبغيض من العنف والقمع، مقترنا بشعور لايحتمل من الحزن والحسرة اجتاح الآلاف من الناس الذين كانوا يعرفون سلوى، سواء كصديقة، او زميلة، او أم أو زوجة، او كرمز لمستقبل ليبيا الأكثر إشراقا الذي أصبحت تمثله، مستقبل ليبيا الذي يتسم بالسلام، والمساواة، والإنسانية، حيث يمكن للرجال والنساء أن يعيشوا حياتهم اليومية بكرامة.

وفي خضم هذا الحزن، كان هذا الإرث الذي أصبح أقوى وأقوى واستقطب أولئك الذين كانوا يتشاركون في نفس الرؤية وجعلهم يعملون بجهد أكبر لبناء ليبيا التي ناصرتها بلا هوادة. وبصفتها محامية، قامت بشن حملات بالنيابة عن السجناء السياسيين تحت نظام القذافي، وبصفتها عضو في المجلس الإنتقالي الوطني، قادت سلوى المناصرة من أجل الضغط في سبيل نسبة كوتا أعلى لتمثيل المرأة في مواقع اتخاذ القرار، ومن ثم استقالت إشارة على استيائها إزاء إقصاء المرأة.

باعتبارها مؤسس مشارك في منبر المرأة الليبية من أجل السلام، فقد شاركت سلوى القيادات النسائية والشبابية في قيادة مبادرات للمجتمع المدني لمواجهة العسكرة، والتطرف العنيف والإرهاب وضمان إنتقال شامل وعادل إلى الديمقراطية. و كنائب رئيس للجنة التحضيرية للحوار الوطني، فقد دفعت باتجاه الحوار المفتوح، والحل السلمي، والأمل المستمر في مواجهة العقبات المتواصلة. لقد آمنت بحق العيش دون خوف وظلم، وقاتلت يومياً من أجل ذلك. لقد رفضت سلوى الإستسلام، وحتى لفظت أنفاسها الأخيرة، واصلت سلوى الدعوة إلى التأكد من عدم نسيان قيم الثورة، وإحترامها ودمجها في النسيج الليبي: من الحكومة الليبية وقوانينها، إلى قلوب المواطنين الليبيين.

وبلا أدنى شك فقد حلت بقضيتها خسارة كبيرة في غيابها، وهي خسارة وصفها الكثيرون بأنها وفاة ليبيا. ولكن اليوم، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نحن على يقين بأن وفاتها لم تذهب عبثاً. فإرثها وعملها باقيان في ليبيا وعبر المنطقة، حيث أن النساء، والرجال والشباب يطبقون دروسها، ويستمدون شجاعتها، ويكافحون لتحقيق العدالة من أجلها – ومن أجل الآخرين الذين واجهوا مصيرا مماثلا كنتيجة لمعتقداتهم وعملهم.

وفي كلماتها الأخيرة، تحدثت سلوى عن التحديات التي تواجها ليبيا وبإفتخارها بصمود مدينة بنغازي.

بنغازي كالعادة، لها تحدياتها، ولكن على الرغم من الألم، والخوف، والحزن فإن بنغازي سوف تثبت للجميع أنها لن نركع أو تنحني. وسوف تواصل الكفاح مهما كانت التحديات والصعوبات. ونحن مصممون على بناء ليبيا التي طالما حلمنا بها … قد نصاب بخيبة أمل أو يتم خذلاننا ولكننا لن تتخلى أبداً عن ليبيا – مهما طال النضال.

وتفاقمت مأساة إغتيال سلوى بسبب عدم وجود العدالة، فالدعوات لإجراء تحقيق مستقل لقي آذان صماء ولم يتم تحديد هوية قتلتها ومعاقبتهم. هذا الظلم هو تذكير باق من النضال المستمر الذي يواجه النساء الليبيات، اللواتي يقاتلن من أجل العيش بأمان دون خوف من التعرض للإغتصاب، والقتل، والإعتداء الجسدي والجنسي، والإضطهاد والعنف ويطالبن بإتخاذ تدابير قانونية وافية ومناسبة تجرم مثل هذه الأفعال التي ترتكب ضدهم.

إن إستهداف النساء وقبول العنف ضد المرأة كوسيلة لإكتساب السلطة والإبقاء عليها يؤتي ثماره ليس فقط في ليبيا، ولكن في جميع أنحاء المنطقة؛ وعدم وجود عدالة في ملايين الحالات يضاعف من قسوة التحدي الذي يواجه نشطاء حقوق الإنسان. فلا يمكن تحقيق تقدم حتى تتم مساءلة الجناة والحكومات التي تسمح بارتكاب مثل هذه المظالم العلنية.

لقد جلبت سلوى بوقعيعيص الأمل للآلاف من خلال معركتها السلمية من أجل ليبيا أفضل. فقد فهمت وحاربت لزيادة الوعي بأن حقوق المرأة تتشابك بشكل متاًصل مع حقوق الإنسان. وحملتنا تقول بأن العدالة لسلوى هي عدالة للجميع. وحملتنا تواصل نضالها، ونضال الكثيرين غيرها الذين عانوا وما زالوا يناضلون من أجل عالم تكون فيه النساء قادرات على ممارسة حقهم في الحياة، وحقهم في التعبير، في العمل والقيادة ضد حياة فيها قمع وعنف. بل أكثر من ذلك، الكفاح من أجل عالم حيث هناك سلام، وحرية وأمن وعدالة للجميع.

إن حملة العدالة لسلوى هي عدالة للجميع تبدأ في يوم حقوق الإنسان – 10 ديسمبر/كانون الأول 2014.